فصل: تفسير الآيات (103- 104):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (94):

{وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (94)}
قوله تعالى: {وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى} يعني الرسل والكتب من عند الله بالدعاء إليه. {إِلَّا أَنْ قالُوا} جهلا منهم. {أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا} أي الله أجل من أن يكون رسوله من البشر. فبين الله تعالى فرط عنادهم لأنهم قالوا: أنت مثلنا فلا يلزمنا الانقياد، وغفلوا عن المعجزة. {فأن} الأولى في محل نصب بإسقاط حرف الخفض. و{أَنْ} الثانية في محل رفع ب {مَنَعَ} أي وما منع الناس من أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا قولهم أبعث الله بشر رسولا.

.تفسير الآية رقم (95):

{قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (95)}
أعلم أن الله تعالى أن الملك إنما يرسل إلى الملائكة، لأنه لو أرسل ملكا إلى الآدميين لم يقدروا أن يروه على الهيئة التي خلق عليها، وإنما أقدر الأنبياء على ذلك وخلق فيهم ما يقدرون به، ليكون ذلك آية لهم ومعجزة. وقد تقدم في الأنعام نظير هذه الآية، وهو قوله: {وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ. وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا} وقد تقدم الكلام فيه.

.تفسير الآية رقم (96):

{قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96)}
يروى أن كفار قريش قالوا حين سمعوا قوله: {هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا}: فمن يشهد لك أنك رسول الله. فنزل {قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً}.

.تفسير الآية رقم (97):

{وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (97)}
قوله تعالى: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} أي لو هداهم الله لاهتدوا. {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ} أي لا يهديهم أحد. {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ} فيه وجهان: أحدهما- أن ذلك عبارة عن الإسراع بهم إلى جهنم، من قول العرب: قدم القوم على وجوههم إذا أسرعوا.
الثاني- أنهم يسحبون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه وتعذيبه. وهذا هو الصحيح، لحديث أنس أن رجلا قال: يا رسول الله، الذين يحشرون على وجوههم، أيحشر الكافر على وجهه؟ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«أليس الذي أمشاه على الرجلين قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة»: قال قتادة حين بلغه: بلى وعزة ربنا. أخرجه البخاري ومسلم. وحسبك. {عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا} قال ابن عباس والحسن: أي عمى عما يسرهم، بكم عن التكلم بحجة، صم عما ينفعهم، وعلى هذا القول حواسهم باقية على ما كانت عليه.
وقيل: إنهم يحشرون على الصفة التي وصفهم الله بها، ليكون ذلك زيادة في عذابهم، ثم يخلق ذلك لهم في النار، فأبصروا، لقوله تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها}، وتكلموا، لقوله تعالى: {دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً}، وسمعوا، لقوله تعالى: {سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً}.
وقال مقاتل بن سليمان: إذا قيل لهم {اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ} صاروا عميا لا يبصرون صما لا يسمعون بكما لا يفقهون.
وقيل: عموا حين دخلوا النار لشدة سوادها، وانقطع كلامهم حين قيل لهم: اخسئوا فيها ولا تكلمون. وذهب الزفير والشهيق بسمعهم فلم يسمعوا شيئا. {مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ} أي مستقرهم ومقامهم. {كُلَّما خَبَتْ} أي سكنت، عن الضحاك وغيره. مجاهد طفئت. يقال: خبت النار تخبو خبوا أي طفئت، وأخبيتها أنا. {زِدْناهُمْ سَعِيراً} أي نار تتلهب. وسكون التهابها من غير نقصان في آلامهم ولا تخفيف عنهم من عذابهم.
وقيل: إذا أرادت أن تخبو. كقوله: {وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ}.

.تفسير الآيات (98- 99):

{ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (99)}
قوله تعالى: {ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا} أي ذلك العذاب جزاء كفرهم. {وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً} أي ترابا. {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} فأنكروا البعث فأجابهم الله تعالى فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ} قيل: في الكلام تقديم وتأخير، أي أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض، وجعل لهم أجلا لا ريب فيه قادر على أن يخلق مثلهم. والأجل: مدة قيامهم في الدنيا ثم موتهم، وذلك ما لا شك فيه إذ هو مشاهد.
وقيل: هو جواب قولهم: {أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً}.
وقيل: وهو يوم القيامة. {فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً} أي المشركون إلا جحودا بذلك الأجل وبآيات الله.
وقيل: ذلك الأجل هو وقت البعث، ولا ينبغي أن يشك فيه.

.تفسير الآية رقم (100):

{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (100)}
قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} أي خزائن الأرزاق.
وقيل: خزائن النعم، وهذا أعم. {إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ} من البخل، وهو جواب قولهم: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً} حتى نتوسع في المعيشة. أي لو توسعتم لبخلتم أيضا.
وقيل: المعنى لو ملك أحد المخلوقين خزائن الله لما جاد بها كجود الله تعالى، لأمرين: أحدهما- أنه لا بد أن يمسك منها لنفقته وما يعود بمنفعته.
الثاني- أنه يخاف الفقر ويخشى العدم. والله تعالى يتعالى في جوده عن هاتين الحالتين. والإنفاق في هذه الآية بمعنى الفقر، قاله ابن عباس وقتادة. وحكى أهل اللغة أنفق وأصرم وأعدم وأقتر إذا قل ماله. {وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً} أي بخيلا مضيقا. يقال: قتر على عياله يقتر ويقتر قترا وقتورا إذا ضيق عليهم في النفقة، وكذلك التقتير والإقتار، ثلاث لغات. واختلف في هذه الآية على قولين: أحدهما- أنها نزلت في المشركين خاصة، قاله الحسن. والثاني- أنها عامة، وهو قول الجمهور، وذكره الماوردي.

.تفسير الآية رقم (101):

{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (101)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ} اختلف في هذه الآيات، فقيل: هي بمعنى آيات الكتاب، كما روى الترمذي والنسائي عن صفوان بن عسال المرادي أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله، فقال: لا تقل له نبى فإنه إن سمعنا كان له أربعة أعين، فأتيا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألاه عن قول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ} فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسرقوا ولا تسحروا ولا تمشوا ببري إلى السلطان فيقتله ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف- شك شعبة- وعليكم يا معشر اليهود خاصة ألا تعدوا في السبت» فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبى. قال:«فما يمنعكما أن تسلما» قالا: إن داود دعا الله ألا يزال في ذريته نبى وإنا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقد مضى في البقرة.
وقيل: الآيات بمعنى المعجزات والدلالات. قال ابن عباس والضحاك: الآيات التسع العصا واليد واللسان والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، آيات مفصلات.
وقال الحسن والشعبي: الخمس المذكورة في الأعراف، يعنيان الطوفان وما عطف عليه، واليد والعصا والسنين والنقص من الثمرات.
وروى نحوه عن الحسن، إلا أنه يجعل السنين والنقص من الثمرات واحدة، وجعل التاسعة تلقف العصا ما يأفكون. وعن مالك كذلك، إلا أنه جعل مكان السنين والنقص من الثمرات، البحر والجبل.
وقال محمد بن كعب: هي الخمس التي في الأعراف والبحر والعصا والحجر والطمس على أموالهم. وقد تقدم شرح هذه الآيات مستوفى والحمد لله. {فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ} أي سلهم يا محمد إذ جاءهم موسى بهذه الآيات، حسبما تقدم بيانه في يونس. وهذا سؤال استفهام ليعرف اليهود صحة ما يقول محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً} أي ساحرا بغرائب أفعالك، قاله الفراء وأبو عبيدة. فوضع المفعول موضع الفاعل، كما تقول: هذا مشئوم وميمون، أي شائم ويأمن. وقيل مخدوعا. وقيل مغلوبا، قاله مقاتل. وقيل غير هذا، وقد تقدم. وعن ابن عباس وأبى نهيك أنهما قرءا {فسأل بنى إسرائيل} على الخبر، أي سأل موسى فرعون أن يخلى بنى إسرائيل ويطلق سبيلهم ويرسلهم معه.

.تفسير الآية رقم (102):

{قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (102)}
قوله تعالى: {قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ} يعني الآيات التسع. و{أَنْزَلَ} بمعنى أوجد. {إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ} أي دلالات يستدل بها على قدرته ووحدانيته.
وقراءة العامة {عَلِمْتَ} بفتح التاء خطابا لفرعون. وقرأ الكسائي بضم التاء، وهى قراءة على بن أبى طالب رضي الله عنه، وقال: والله ما علم عدو الله ولكن موسى هو الذي يعلم، فبلغت ابن عباس فقال: إنها {لَقَدْ عَلِمْتَ}، واحتج بقوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا}. ونسب فرعون إلى العناد.
وقال أبو عبيد: والمأخوذ به عندنا فتح التاء، وهو الأصح للمعنى الذي احتج به ابن عباس، ولان موسى لا يحتج بقوله: علمت أنا، وهو الرسول الداعي، ولو كان مع هذا كله تصح به القراءة عن على لكانت حجة، ولكن لا تثبت عنه، إنما هي عن كلثوم المرادي وهو مجهول لا يعرف، ولا نعلم أحدا قرأ بها غير الكسائي.
وقيل: إنما أضاف موسى إلى فرعون العلم بهذه المعجزات، لان فرعون قد علم مقدار ما يتهيأ للسحرة فعله، وأن مثل ما فعل موسى لا يتهيأ لساحر، وأنه لا يقدر على فعله إلا من يفعل الأجسام ويملك السموات والأرض.
وقال مجاهد: دخل موسى على فرعون في يوم شات وعليه قطيفة له، فألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان، فرأى فرعون جانبي البيت بين فقميها، ففزع وأحدث في قطيفته. الفقم بالضم اللحى، وفى الحديث«من حفظ ما بين فقميه» أي ما بين لحييه. {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} الظن هنا بمعنى التحقيق. والثبور: الهلاك والخسران أيضا. قال الكميت:
ورأت قضاعة في الأيا ** من رأى مثبور وثابر

أي مخسور وخاسر، يعني في انتسابها إلى اليمن.
وقيل: ملعونا. رواه المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
وقال أبان بن تغلب. وأنشد:
يا قومنا لا تروموا حربنا سقها ** إن السفاه وإن البغي مثبور

أي ملعون.
وقال ميمون بن مهران عن ابن عباس: {مَثْبُوراً} ناقص العقل. ونظر المأمون رجلا فقال له: يا مثبور، فسأل عنه قال. قال الرشيد قال المنصور لرجل: مثبور، فسألته فقال: حدثني ميمون بن مهران... فذكره.
وقال قتادة هالكا. وعنه أيضا والحسن ومجاهد. مهلكا. والثبور: الهلاك، يقال: ثبر الله العدو ثبورا أهلكه.
وقيل: ممنوعا من الخير حكى أهل اللغة: ما ثبرك عن كذا أي ما منعك منه. وثبره الله يثبره ويثبره لغتان. قال ابن الزبعرى:
إذ أجاري الشيطان في سنن الغ ** ي ومن مال ميله مثبور

الضحاك: {مَثْبُوراً} مسحورا. رد عليه مثل ما قال له باختلاف اللفظ.
وقال ابن زيد: {مَثْبُوراً} مخبولا لا عقل له.

.تفسير الآيات (103- 104):

{فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (103) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (104)}
قوله تعالى: {فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ} أي أراد فرعون أن يخرج موسى وبنى إسرائيل من أرض مصر إما بالقتل أو الابعاد، فأهلكه الله عز وجل. {وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ} أي من بعد إغراقه. {لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ} أي أرض الشام ومصر. {فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} أي القيامة. {جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً} أي من قبوركم مختلطين من كل موضع، قد اختلط المؤمن بالكافر لا يتعارفون ولا ينحاز أحد منكم إلى قبيلته وحيه.
وقال ابن عباس وقتادة: جئنا بكم جميعا من جهات شتى. والمعنى واحد. قال الجوهري: واللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى، يقال: جاء القوم بلفهم ولفيفهم، أي وأخلاطهم. وقوله تعالى: {جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً} أي مجتمعين مختلطين. وطعام لفيف إذا كان مخلوطا من جنسين فصاعدا. وفلان لفيف فلان أي صديقه. قال الأصمعي: اللفيف جمع وليس له واحد، وهو مثل الجميع. والمعنى: أنهم يخرجون وقت الحشر من القبور كالجراد المنتشر، مختلطين لا يتعارفون.
وقال الكلبي: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} يعني مجيء عيسى عليه السلام من السماء.